عدد خاص: الحرب السيبرانية بين المقاومة ودولة الاحتلال
الحرب ليست فقط على أرض المعركة، بل هناك حروب سيبرانية تجري في هذه اللحظة.
ما لم تكن تعيش في كهف فإنك غالبًا ما تدرك الآن ما يحصل في غزة من اشتباكاتٍ بين مختلف الكتائب الفلسطينية هناك وجيش الاحتلال الإسرائيلي، وتدرك ما يحصل في قطاع غزة من قصفٍ ودمارٍ وحصارٍ وإبادةٍ جماعيةٍ وقطعٍ لجميع وسائل الحياة.
لكن هناك جبهة أخرى تسير فيها الحرب غير جبهة الأرض الواقعية التي نعيش فيها، وتلك غالبًا لا يعلم عنها أحدٌ شيئًا سوى الحذّاق من التقنيين والمتخصصين بها.
إنها الجبهة التقنية حيث تُشنّ الحروب السيبرانية من طرفٍ ضد الآخر.
خارجًا عن موعد نشرتنا المعتادة؛ نتحدث في هذا العدد الخاص من نشرة حوسبة عن وسائل متابعة مجريات هذه الحرب، وكيف وأين تجري أحداثها، وما هي تبعاتها المحتملة على كل طرف.
مقدمة عن استخبارات المصدر المفتوح (OSINT)
استخبارات المصدر المفتوح أو Open Source Intelligence وتعرف بـOSINT اختصارًا، هي عملية جمع وتحليل البيانات من مختلف مصادرها المتوفرة بشكلٍ مفتوح للناس بهدف تحقيقٍ أي هدف يريده صاحب العملية.
على عكس عملية الاستخبارات التقليدية التي تكون في غرفٍ مغلقة والتي تتم غالبًا عبر مصادر سريّة أو جواسيس فإن استخبارات المصدر المفتوح تعتمد بالأساس على البيانات المتوفرة بحريّة على شبكة الإنترنت والتي ينتجها الجمهور، سواءٌ كان هذا الجمهور مرتبطًا بالهدف المطلوب الاستعلام عنه أم لا.
ببساطة إنها عملية جمع كل جزء متوفر من البيانات عن الهدف من مختلف المصادر المتوفرة عمومًا.
هناك قطاع كبير يهتم بهذا المجال وآلاف فرص العمل في الشركات، وهو مجالٌ معروف للمهتمين بالأمن السيبراني وليس شيئًا وليدًا حديثًا.
يمكنك تعلمه ومعرفة المزيد عنه من سلسلة فيديوهات يوتيوب الطويلة هذه:
الحرب السيبرانية بين المقاومة ودولة الاحتلال
لدى دولة الاحتلال وأفرادها وجودٌ كبير على الشبكة، مما يعني كثرة الأهداف الممكن استهدافها والأضرار القابل تحقيقها على عكس المقاومة التي تكاد تنعدم عنها الكهرباء والمياه.
هذا في صالح المقاومين بالطبع والذين لا ينحصرون بالمقيمين في غزة فحسب؛ لأن عددًا من المخترقِين العرب يمكنهم المشاركة فيها الآن فهي لم تعد محصورة في أرض الواقع بل يمكن لأي شخص يمتلك اتصالًا بالإنترنت المساهمة فيها.
منذ بداية الحرب الأخيرة اختُرقت آلاف الأهداف الإسرائيلية، وأبرز هذه الأهداف التي هوجمت كانت:
الحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي للأشخاص المؤثرين أو أصحاب الشأن. فقد رأينا اختراقاتٍ كثيرة لحسابات انستغرام وتويتر وغيرها.
المواقع الحكومية التابعة لدولة الاحتلال وقد اختُرق موقع الحكومة الرئيسي نفسه.
كاميرات المراقبة في بعض المؤسسات الحكومية الإسرائيلية.
كاميرات المراقبة العامة في مختلف أنحاء فلسطين المحتلة والتابعة للجيش الإسرائيلي. هذه الكاميرات مفيدة جدًا للمقاومة بطبيعة الحال.
اللوحات الإعلانية الدعائية في دولة الاحتلال والتي كانت متصلة بالإنترنت؛ تمكن بعض الأفراد من اختراقها لعرض صور للمقاومة.
بعض المواقع التابعة للشركات والمؤسسات الإسرائيلية حتى وإن لم تكن مشاركة بشكل مباشر في الحرب أو تابعة للدولة.
بعض المواقع الأجنبية التي أبدت تأييدها لدولة الاحتلال.
عمل بعض الأفراد على جمع قائمة كبيرة لما يُعرف بـ”مجموعات الاختراق”؛ وهي ببساطة مجموعة غالبًا ما تكون مكوّنة من أكثر من شخص يعملون سويةً على اختراق أهدافٍ محددة يريدونها، سواءٌ من هذا الطرف أو هذا الطرف.
القائمة الطويلة تجمع مجموعات الاختراق من المقاومة ودولة الاحتلال، وكل هذه المجموعات تمارس عملها هذه اللحظة وتخترق وتسرّب المعلومات على حسب الطرف الذي تنتمي إليها. فكما ترى ليست المقاومة وحدها من يشنّ الحروب السيبرانية بل حتى دولة الاحتلال تحاول ذلك.
من المثير للاهتمام أن بعض المجموعات الروسية شنّت بعض الهجمات السيبرانية على دولة الاحتلال بذريعة أن هذه الأخيرة قد دعمت أوكرانيا في حربها ضد روسيا، مما جعل هؤلاء ساخطين عليها ليس نصرةً لفلسطين ولكن بسبب موقفهم من دولتهم.
من المُلاحظ أيضًا أن كثيرًا من مجموعات الاختراق ومتابعة الأخبار هذه تكون متمركزة في منصة تلجرام، حيث أصبحت المنصة هي الموطن الرئيسي للكثير من هذه المجموعات. يحصل هذا غالبًا لأن تلجرام خفيف في حذف القنوات والحسابات مقارنةً بفيسبوك وتويتر كما أنه روسي المنشأ ولهذا فإن مفضّلٌ عند هؤلاء على كثيرٍ من منصات التواصل الاجتماعي الأخرى.
أما من جهة طرف دولة الاحتلال فليس هناك الكثير حقًا لفعله، فأبو عبيدة لا يمتلك مدونةً شخصية مُستضافة على ووردبريس مثلًا. أقصى ما فعلوه كان اختراق أحد القنوات التلفزيونية التي تغطّي أحداث غزة لا أكثر. هذه ليست حربًا سيبرانية يمكن أن تتضرر منها المقاومة وبالتالي فإن دولة الاحتلال هي الخاسر الأكبر هنا.
مصادر تجميع البيانات
أهم شيء في استخبارات المصدر المفتوح هو ببساطة امتلاك المصادر نفسها، لأنك لن تتمكن من جميع المعلومات الكافية التي تريدها إن لم تمتلك هذه المصادر.
أبرز هذه المصادر حاليًا هي:
موقع FlightRadar الذي يوفّر مراقبة مباشرة لجميع الطائرات حول مختلف بلدان العالم. يمكن متابعته لرؤية طائرات الشحن وطائرات المساعدات والطائرات العسكرية التي تنتقل من دولة الاحتلال وإليها.
حسابات تويتر المختلفة التي تنشر مختلف الصور والفيديوهات للأحداث الجارية، ويمكن البحث عنها عبر مربع بحث تويتر. منها مثلًا الحسابات المتخصصة في استخبارات المصدر المفتوح مثل: OSINTtechnical, OSINTDefender. أما التغريدات العامة فقد تحتاج مراقبتها عبر الـAPI الخاصة بتويتر إن كنت تريد حقًا فعل ذلك وهي مكلفة للغاية.
حسابات تلجرام المختلفة، وهذه عليك البحث عنها يدويًا ومتابعة ما يهمّك منها. هناك بعض الخدمات الصاعدة المتخصصة في أرشفة قنوات ومجموعات تلجرام بحيث تدفع لهم اشتراك لتراقب كل ما يُنشر على العموم في مختلف هذه الأماكن دون الحاجة لمتابعتها واحدًا واحدًا، وهي بالطبع لها تكاليف أخرى. أبرزها حاليًا Telemetry وInoReader.
محركات البحث غير الرئيسية التي تتخصص في مجالٍ من المجالات…
كل هذه الأدوات وغيرها تجدها في تجميعات قوائم أدوات OSINT التي ينشرها بعض الناس من حينٍ لآخر. هذه التجميعة مثلًا فيها قوائم طويلة من الأدوات المُستخدمة لتعقّب كافة مصادر البيانات في المجال، وهناك غيرها بالطبع. تابع مجتمع OSINT على ريديت إن كنت مهتمًا.
يقوم المحترفون بالمجال بعد التعرّف على هذه المصادر وتجميع واجهات الوصول البرمجية (APIs) التي يمكنهم استخدامها للوصول إليها، يقومون بكتابة سكربتات أو بوتات تتواصل مع هذه المصادر تلقائيًا وتعرض لهم النتائج كيفما شاؤوا. بعضهم يكتب حتى الـWeb Scrapper الخاص به. ولهذا فإن الخبرة البرمجية مهمة في هذا المجال.
محرّك بحث Elastic Search وواجهات لوحات المعلومات Kibana وGrafana هما الأبرز لبرمجة هذه الحلول اليدوية وربطها بمصادر البيانات. هناك بالطبع مئات المكتبات البرمجية ومئات الوسائل التقنية الأخرى لتصيير هذه البيانات بأي شكلٍ من الأشكال التي يريدها المتخصص التقني.
التكاتف التقني لدولة الاحتلال
كثير جدًا من الشركات التقنية الإسرائيلية أعلنت دعمها لجيشها ووفرت خدماتٍ مجانية له. بعض الشركات تبرعت بالمال وبعضها تبرع بتوفير اشتراكاتٍ مدفوعة بالمجان لهم، كما تبرع غيرهم بتوصيل الطعام دون مقابل.
شركة اسمها Cyabra متخصصة بمراقبة المنشورات على مواقع التواصل الاجتماعي لتمكين مستخدميها من تحليل تفاعلات الناس كانت قد أعلنت عن عملها مع جيش الاحتلال لمراقبة من ينشر عن غزة وضد إسرائيل، ولمحاربة ما يصفونه ب”المعلومات الزائفة”.
شركة أَخرى اسمها OurCrowd للتمويل الجماعي أعلنت عن مبادرة لدعم عائلات قتلى الاحتلال بالمال وتوفير المساعدة لهم.
وشركة اسمها More Foods ستتبرع بالطعام لجنود الاحتلال والمتطوعين معه.
عمل أحدهم أيضًا موقعًا للمفقودين الإسرائيليين الذين قُلِّعوا من حدود قطاع غزة، ويكأنه يشبه موقع المفقودين بعد الزلزال الذي أصاب تركيا.
في الخارج يهدد الاتحاد الأوروبي موقع تويتر وإيلون ماسك بالمساءلة القانونية والإغلاق في أوروبا وغرامة 6% إن لم يمتثل لطلباتهم ويزيل المنشورات التابعة للمقاومة من على المنصة كيفما شاؤوا. من جهته ماسك يحاول حربهم ليس لأجل عيون فلسطين ولكن لإبراز مميزات منصته ورؤيته التي يعمل عليها. نفس إيلون ماسك هذا كان قد أعلن عن مجانية محطات الشحن الكهربائية لسيارات تيسلا في كامل إسرائيل.
هذا فقط ما نعلمه حاليًا وبالتأكيد هناك تعاون وخدمات أخرى يقدمها القطاع المدني للقطاع العسكري عندهم.
خاتمة
كانت هذه أبرز معالم الحرب السيبرانية الجارية حاليًا، وأبرز المصادر التي يمكنك من خلالها متابعة مجرياتها ومعرفة آخر مستجداتها. إن كنت مهتمًا بمجال استخبارات المصدر المفتوح فيمكنك قراءة المزيد عنه أو البحث عن مساقات على الشبكة لتعلّمه والمساهمة في هذا المجال لنفع أمتك ونصرة المظلومين، وجميع اتصالات العدو مفتوحة أمامك.
نسأل الله تعالى أن يرحم شهداء إخواننا في غزة ويخلف على أهاليهم خيرًا ويتقبلهم مع الصديقين والشهداء.
نسأل الله تعالى أن يرفع عنهم البلاء وينصرهم على عدوهم ولا يخذلهم.
نسأل الله تعالى أن يكسر شوكة عدوهم والخونة الواقفين معهم ويفضحهم بالخزيّ في الدنيا قبل الآخرة.
نسأل الله تعالى أن يشفي الجرحى والمرضى ويخلف عليهم خيرًا ويعوضهم عمّا فقدوا.
نسأل الله تعالى أن يستعملنا ولا يستبدلنا لخدمة دينه، وألا نكون مجرّد تقنيين تكنوقراطيين في الدنيا، متحجرين، لا نهتم لأمر ديننا ولا أمتنا، بل نعيش حياتنا ونتمتع فيها كما تمتتع الأنعام… بل أن نكون كما أراد الله لنا أن نكون، مسلمين كل علومنا لخدمة دينه والوصول إلى درب الآخرة.
جزاك الله خيرًا.. نسأل الله أن يستعملنا ولا يستبدلنا.
اللهم آمين، شكراً جزيلاً لك أخي الكريم.