نشرة حوسبة #43: استفد من التقنية قبل أن تحرم منها

البحبوحة التقنية التي نحن فيها هذه قد لا تبقى للأبد في هذا الجو الجيوسياسي الذي نحن فيه.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،

حيّاكم الله مشتركي نشرة حوسبة البريدية لعلوم الحاسوب.

مضى وقتٌ طويل منذ آخر نشرة بريدية لنا، وقد كان من المتقرر أن نرسل هذا العدد البارحة يوم الجمعة ولكن تأخرنا لظروف. سعيدون بالتواصل معكم مرة أخرى. 💌

مساق لينكس والمصدر المفتوح على قناة حوسبة والمخصص للمبتدئين شبه مكتمل على قناتنا على يوتيوب، وهو مساق مرئي يشرح بالتفصيل طريقة الانتقال من نظام ويندوز إلى نظام لينكس بالإضافة إلى أهم المواضيع التي قد يحتاجها المستخدم الجديد:

هدفنا من نشر هكذا مساق يخدم الفكرة العامة التي ندندن حولها: إن كنّا نريد تحقيق الاستقلال التقني لأمتنا عن الغرب وغيره فلا بد أن نبدأ بتنقية أجهزتنا وحواسيبنا وهواتفنا من تلك البرمجيات والخدمات الاحتكارية مغلقة المصدر، وهذه أول خطوة في سبيل ذلك الهدف.

سيكون هناك المزيد من الفيديوهات في هذا المساق، والمزيد من السلاسل المرئية مستقبلًا إن شاء الله تعالى.

📬 نقاش العدد: استفد من التقنية قبل أن تحرم منها

نعيشُ الآن في زمانٍ صارت التقنية حجر الأساس في كل ركنٍ منه، وصار المتخصص التقني الواحد قادرًا على فعل أمورٍ وبناء مشاريع وتطوير منتجات لم يكن قادرًا عليها من قبل لوحده.

كل طبقة من طبقات بناء المنتج التقني الجاهز صارت متوفرة على أشكالٍ متعددة؛ منتجات مجانية مفتوحة المصدر يمكنك استضافتها ذاتيًا، أو خدمات مدفوعة سهلة الاستخدام لا تحتاج سوى أن تربطها بمنتجك.

• قواعد البيانات؟ يمكنك استخدام خدمات جاهزة مثل Firebase أو AWS لتطبيقك وتدفع بينما تبني جمهورك.

• وسائل الدفع؟ يمكنك قبول بطاقات VISA وMasterCard عبر خدمات مثل Stripe وPaddle وغيرها الكثير.

• خدمات ذكاء اصطناعي؟ يمكنك استخدام نماذج GPT من OpenAI، أو نماذج جوجل، أو نماذج مايكروسوفت، أو نماذج Anthropic… وهناك المئات منها لمختلف مهام معالجة النصوص أو الصور أو الصوت أو الفيديو.

• خدمات الأتمتة؟ يمكنك استخدام خدمات مثل Make وZapier لأتمتة أي سيناريو أعمال تريده والربط بين أي منصتين تريدهما على الإنترنت.

• الاستضافة؟ يمكنك استضافة خادومك على واحدة من بين آلاف شركات الاستضافة السحابية الموجودة بالسوق بأبخس الأسعار.

• خدمات جاهزة لإدارة الـAPI الخاصة بتطبيقك؟ يمكنك استخدام Cloudflare وGoogle Cloud وMicrosoft Azure.

• التواصل عبر البريد؟ خدمات مشهورة مثل MailChimp وMailerLite وSubstack (الذي نستعمله) وغيرها موجودة لترسل آلاف الرسائل البريدية لجمهورك.

• تحقيق الربح من المحتوى؟ يمكنك الربح من إعلانات جوجل أدسنس وMediavine ومنصات التسويق بالعمولة الأجنبية وغيرها من الشركات.

• وسائل التواصل؟ كل الشبكات غربية المنشأ مثل تلجرام وانستغرام وفيسبوك وتويتر ويوتيوب وتكتوك وغيرها تحت يديك.

تحت كل تصنيف من تصنيفات هذه الخدمات - وغيرها - عشرات ومئات الشركات التي تقدّم خدمات جاهزة يمكنك استعمالها في وقتٍ وجيز لبناء مشروعك التقني وإطلاقه للناس في أيام.

وتطوير المنتجات التقنية والمشاريع الحوسبية لم يعد بالصعوبة التي كان عليها في السابق.

إلا أنه هناك حبكة يجب الانتباه من الوقوع فيها: تقريبًا جميع هذه الخدمات هي خدمات غربية المصدر والتوجه تتبع قوانينه وتشريعاته وثقافته، ويمكن أن تسحب من تحتك البساط في أي وقتٍ عند أدنى مشكلة سياسية.

أدّى الاحتلال الروسي لأوكرانيا مثلًا إلى سحب جميع خدمات الشركات الغربية من السوق الروسي بل وتجريم من يتعامل مع الروس هناك. صار المواطن الروسي لا يمكنه حتى استخدام خدمات جوجل ولا بريده على مايكروسوفت.

وجدت روسيا نفسها فجأة في معزلٍ حتى عن نظام تشغيل ويندوز وبرنامج مايكروسوفت أوفيس؛ لن تعود أجهزتها قادرة على التوصل بتحديثاتٍ لها.

أصدرت جوجل قبل أشهر قرارًا بتوقيف جميع حسابات الروسيين الذين يستخدمون خدمات جوجل أدسنس؛ حارمةً إيّاهم من تحقيق الربح من تطبيقاتهم ومواقعهم وقنواتهم على يوتيوب.

وصل الأمر إلى نواة لينكس نفسها، حيث أصدر القائمون عليها - منهم مطور نواة لينكس نفسه لينوس تورفالدز الفنلندي - تعميمًا بطرد كل المطورين الروس منها بسبب العقوبات المفروضة على روسيا من الغرب.

وأحيانًا قد يكون هذا الحظر ذاتيًا: حظرت روسيا وتركيا الوصول إلى موقع Discord في نفس اليوم تقريبًا لأسباب مختلفة، وهكذا صارت خدمات مثل Midjourney لتوليد الصور - والتي تستعمل Discord بشكل حصري - غير قابلة للوصول لسكّان هؤلاء الدول إلا عبر VPN. كما صارت منصات التواصل لمجتمعات مثل Tech4Palestine (التقنيون لأجل فلسطين) غير قابلة للوصول لأنهم يستخدمون Discord في تواصلهم.

وقد وردت أخبارٌ منذ السابع من أكتوبر المجيد بأن مايكروسوفت كانت تحظر حسابات الفلسطينيين الذين يحاولون الاتصال مع أقربائهم في الداخل الفلسطيني عبر Skype وتمنعهم من خدمات Microsoft Teams.

وقد حصلت عملياتٌ أسوء من هذه على أيدي شركة Binance التي جمّدت حسابات عددٍ من الفلسطينيين على المنصة ومنعتهم من الوصول إلى أموالهم بطلبٍ من سلطات الاحتلال.

كما أن شبكة Tether التي توفّر عملة USDT الرقمية تحرّكت - على حجمها ومكانتها - لتجميد الأموال الواصلة إلى بعض حسابات القسّام التي كانوا يستخدمونها لجلب التبرعات.

لا ينحصر الأمر في جانب العقوبات، بل حتى الإنترنت والوصول عمومًا يتعرّض لحملات توطين وتخليص من العولمة التي كان فيها في السابق: قوانين تنظيم البيانات مثل GDPR وDMA في أوروبا، واتفاقيات نقل البيانات بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وغيرها… لم تكن موجودة في السابق، وقد صارت تحد من طريقة استخدام الإنترنت والتواصل مع الناس وتقديم الشركات لخدماتها حول العالم.

وحاليًا فالباب مفتوح أمام خدمات الذكاء الاصطناعي لتفعل ما شاءت وتخدم مستخدميها بالطريقة التي تريدها - لأنها ما تزال في أولى أيّامها ولم يتعامل المشرّعون معها بعد - إلا أنها ستصبح هدفًا مستقبليًا بالطبع لهؤلاء المشرّعين والقوانين الشبيهة التي سيسنونها لأجلها، خصوصًا وأن الذكاء الاصطناعي ينمو هو الآخر ليدخل كل جوانب الحياة مع استخدامٍ كبيرٍ له في المجالات العسكرية.

يمكنك أن تفهم الآن إلى أن نريد أن نذهب في هذا: هذه البحبوحة التقنية التي نعيشها في أغلب بلداننا "المستقرة" لن تظل موجودةً إلى الأبد، وقد تصبح مهددة في المستقبل في ظل هذا الأحداث السياسية التي تعيشها منطقتنا بل والعالم بأجمع.

الانقسام بين "الشرق" و"الغرب" يكبر يومًا فيومًا وتصبح المباينة والمفاصلة أوضح من السابق، ويكأنه يوم انقسام الناس إلى الفسطاطين.

قبل أيّامٍ مثلًا انتُخب دونالد ترامب رئيسًا جديدًا للولايات المتحدة، وقد كان بنفسه هدد بفرض عقوباتٍ كبيرة على دولة مثل تركيا أثناء رئاسته فقط لأجل تحرير قسّ أمريكي كان معتقلًا لديها… وليس من المستبعد أن تتكرر مثل هذه العقوبات على أي دولة مستقبلًا وأن تشمل الجانب التقني كذلك تمامًا كما حصل مع الروس وروسيا.

انظر مثلًا كيف كان وضع البلدان المحيطة بفلسطين شبه مستقر قبل السابع من أكتوبر، ثم فجأة، تغيّر كل شيء حتى وصل الأمر إلى احتلال مباشر لأجزاء من لبنان مع توقعاتٍ بأن يستمر توسّع هذا الاحتلال ليشمل أجزاء من سوريا والأردن والسعودية ومصر… ومن يدري، ربما تتحوّل الأحداث لتتدخل دول أخرى في هذا الصراع فتنفرض عليها هي الأخرى عقوبات شبيهة.

لسنا هنا في مجال التحليل السياسي، لكن الفكرة المركزية هي أن تستثمر في هذه الخدمات التقنية وآليات صناعة المنتجات الحوسبية قبل أن يأتي يومٌ - والله أعلم متى يأتي - لا تعود فيه قادرًا على ذلك، إما بسبب ظروفك المعيشية أو ظروف هجرتك القسرية أو تغيّر المناخ أو انعدام الطاقة، وإمّا بسبب الأوضاع الجيوسياسية التي قد تعيشها وتمنعك من ذلك.

إلى الآن نسمع عن قصص أشخاص أفراد طوروا تطبيقات للهواتف، أو خدمات إلكترونية، أو إضافات للمتصفح، أو كورسات مدفوعة، أو مواقع إنترنت، أو قنوات يوتيوب… وصلوا بها إلى ملايين المستخدمين ثم باعوها وربحوا الآلاف والملايين من الدولارات مقابلها.

هناك حسابات لآلاف الناس على مواقع التواصل يحققون عبرها الوصول إلى ملايين الناس في أصقاع العالم وهم جالسون على الآرائك في غرفهم.

هناك المئات من خدمات الذكاء الاصطناعي التي جعلت من اللاممكن سابقًا ممكنًا الآن… وملايين الناس حول العالم من المطورين والمبرمجين يتسابقون لتحقيق أقصى استفادة منها.

كل هذا ما زال ممكنًا حاليًا، وقد لا يكون ممكنًا مستقبلًا.

هذه فرصة قل أن تتكرر في التاريخ البشري، ولربما لم تحصل من قبل؛ أن يكون للإنسان الواحد كل هذه القدرة على التأثير والوصول والإنتاج والربح… ثم بعد ذلك إما لعجزه أو كسله أو تسويفه أو لانشغاله بالدون عن العلو يضيّع هذه الفرصة ولا يستغلها تمام الاستغلال.

فدعوتنا هنا لجميع المتابعين خصوصًا ممن يقطن البلدان العربية والإسلامية أن يسارع في اغتنام علوم الحاسوب هذه والخدمات التقنية المرتبطة بها ليحقق ما يرجو ويأمل من مشاريع وأفكار، قبل أن يأتي يومٌ لا يعودُ فيه قادرًا على ذلك.

🌍 أخبار ومواد سريعة

ستجد في هذا القسم بعض الأخبار والمواد السريعة عن مختلف مجالات علوم الحاسوب والتقنية.

• ستسمح شركة ميتا للجيوش والمؤسسات العسكرية باستخدام نماذجها للذكاء الاصطناعي - وبالتحديد Llama - في أعمالها بعد أن كانت تمنع هذا في السابق. ستوفر الشركة أيضًا مجموعة من الخدمات التقنية لمراكز الاستخبارات الغربية التابعة لتحالف دول ما يسمّى “العيون الخمسة” وهي: أمريكا وبريطانيا ونيوزليندا وأستراليا وكندا.
  
  وقد كان مارك زوكيربيرغ اليهودي قد عيّن صهيونيةً لتكون مشرفةً على المحتوى على كامل منصات الشركة.
  
  فعلى كل ناشطٍ يستعمل هذه المنصات التابعة لهذه الشركة أن يدرك أنها منصات تجسس وسحب بيانات قد تُستعمل في أي وقتٍ للتجسس عليه.

• أخفت ويكيبيديا واحدةً من صفحاتها عن جميع البلدان حول العالم بسبب طلبٍ قضائي من محكمة هندية. من المُعتاد في مثل هذه الحالات أن تحظر المنصة - ويكيبيديا في حالتنا - الوصول فقط عن مستخدمي البلد الذي يحصل فيه السجال القضائي، إلا أن السابقة هنا هي إخفاء الصفحة عن جميع المستخدمين بسبب هذا الطلب القضائي الهندي تحت تهديدٍ بحجب ويكيبيديا عن كامل الهند.

• أطلقت شركة OpenAI محرك البحث الخاص بها المسمّى ChatGPT Search والذي يهدف ليكون محرك بحثٍ بديلٍ لجوجل. هذا هو رهان الشركة الأكبر إلى اللحظة مع عدم تسجيلها أي ربحيّة إلى اللحظة وبالتالي إما أن ينجح هذا المنتج وتنجح الشركة معها أو أن يفشلا سويةً.
  
  سيكون لانتشار خدماتٍ مثل هذه تأثيرٌ سلبيّ على مواقع المحتوى وأصحاب المدونات: لأنه إن كان الناس قادرين على الحصول على إجاباتهم كاملةً من داخل هذه المحركات فلا حاجة لأن يزوروا هذه المواقع حينها.

• أطلقت شركة Anthropic إصداراتٍ جديدة من نماذجها للذكاء الاصطناعي، وواحدٌ منها يسمح للنموذج بأن يتحكم بحاسوب المستخدم بالكامل ليقوم بالمهام التي يريدها نيابةً عنه. هذه تقنيات ثورية قد يكون وراءها الكثير من مناجم الذهب وننصح التقنيين العرب بسرعة الاستفادة منها وتوظيفها قبل الغير.

• أطلقت شركة آبل معمارية M4 على امتداد عدد من منتجاتها، وهي توفّر وحدة معالجة ورسوميات أسرع من السابق بطبيعة الحال. يبدو أنه جزء من جهدهم لجعل خدمتهم للذكاء الاصطناعي المسماة Apple Intelligence - والتي في أغلبها تعمل محليًا على الجهاز نفسه وليس عبر الإنترنت - تعمل بأداء أفضل وأسلس مع المستخدم من الجيل القديم.

• أعلنت شركة أدوبي عن أكثر من 100 ميزة جديدة في منتجاتها تستخدم الذكاء الاصطناعي. هذا يعني أن عمل المصممين والرسامين سيصبح أسهل وأكثر سلاسةً من السابق.

• صدر إصدارٌ جديد من أداة ArchiveBox لتحميل وأرشفة المواقع الإلكترونية والفيديوهات والأوراق البحثية وغيرها من أنواع المحتوى. ننصح المهتمين بالاطلاع عليها فهي من أفضل الطرق لأرشفة محتواك من مواقع الإنترنت قبل أن يُحذف لأي سببٍ من الأسباب.

***

تابعونا على وسائل التواصل لتبقوا على اطلاعٍ بجديدنا:

• تويتر.

• فيسبوك.

• تلجرام.

هنا ينتهي هذا العدد من نشرة حوسبة، ونلقاكم في العدد المقبل بإذن الله. لا تنسوا مشاركة النشرة مع معارفكم وأصدقائكم ليطّلعوا على المحتوى الرائع الذي نعدّه ❤️