نشرة حوسبة #38: ذكاء اصطناعي، ذكاء في كل مكان
الجيل 2.0 من البرمجيات صار هنا، وسيغيّر كل شيء في الحوسبة.
حياكم الله جميعًا مشتركي نشرة علوم الحاسوب من حوسبة. نأمل أن تجدوا في هذه النشرة سلوةً لما تفتقدونه من نقاشاتٍ متعلقة بمواضيع علوم الحاسوب وكافّة تخصصاتها في الويب العربي.
إليكم محتوى هذا العدد.
نقاش العدد: ذكاء اصطناعي، ذكاء في كل مكان
هناك المزيد من منتجات الذكاء الاصطناعي هذا الشهر.
أبرز الأخبار كان إعلان شركة مايكروسوفت عن نيتها إطلاق مُساعد ذكاء اصطناعي اسمه Microsoft Copilot ليكون مدمجًا داخل نظام ويندوز 11 نفسه بحيث يساعد المستخدم وينفذ ما يريده من مهام على مختلف تطبيقات ويندوز مثل متصفح الملفات ومتصفح الإنترنت والأوفيس وعارض الصور وغيرها.
هذا الخبر له تبعات كبيرة جدًا لعدة أسباب:
إنه ينقل الذكاء الاصطناعي من حيّز بعض الأفراد المولعين بالتقنية إلى حيّز عموم مستخدمي نظام ويندوز، وهي شريحة كبيرة بل هي القطعة كلّها وليست شريحة 😄. هذا يعني أن الاهتمام بمجال الذكاء الاصطناعي سيتضاعف عدة مرات مستقبلًا.
ستعطي هذه الميزة دفعةً قوية لويندوز، فبعد أن كان مجرد نظامٍ عادي يمكن استبداله بأي توزيعة من توزيعات لينكس قد يصبح الآن أداةً لا غنى عنها وتبدو الأنظمة البديلة له بدائية مقارنةً به. تخيّل مثلًا أن تقول لمتصفح الملفات الخاص بك “ضع كل الصور المُلتقطة في نفس الأسبوع في مجلدٍ واحدٍ خاصٍ بها” وهو يتكفل بالعملية دون الحاجة لكتابة شفرات برمجية أو سكربتات أو استخدام تطبيقات أو أي شيء، هكذا من وحده.
قس على ذلك التطبيقات الأخرى مثل تطبيقات الأوفيس وعارض الصور ومدير الملتيميديا وغيرها. تخطط مايكروسوفت لجلب مساعد الذكاء الاصطناعي هذا إليها جميعًا.
غالبًا سيكون هناك تناقل للبيانات من حاسوب المستخدم إلى خواديم الشركة بهدف القيام بهذه العملية أو تحسينها على الأقل، وهو ما يعني المزيد من الخطر على الخصوصية، لكن المشكلة هي أن الفئة الأعم من المستخدمين سيوافقون على هذا التهديد غالبًا مقابل هذه الميزة. هذا أمرٌ آخر لتعرفه وتضعه بعين الاعتبار: سيكون هناك اقتصاد وسوق معني ببيانات الذكاء الاصطناعي وليس النماذج أو البرمجيات نفسها، لأن البيانات مساعدة جدًا ومهمة في تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي بهدف تحسينها.
مايكروسوفت متفوقة على الجميع إلى اللحظة في هذا المجال، بل حتى تتفوق على آبل؛ فعلى الرغم من أن آبل وفّرت أجهزةً ثورية برقاقات مثل M1 وM2 تُعد الأفضل في المجال في تطوير تطبيقات الذكاء الاصطناعي وتدريبها، إلا أنها لم تصنع شيئًا يُذكر في مجال تطبيقات المستخدم، فنظام macOS إلى اللحظة لا يمتلك مساعدًا خاصًا بالذكاء الاصطناعي مثلًا.
الخبر الآخر هذا الشهر هو أن شركة OpenAI قد أعلنت عن الإصدار 3.0 من نموذج DALL-E لتوليد الصور عبر الذكاء الاصطناعي، ويبدو أن نتائجه تتفوق على جميع النماذج الأخرى، فالنموذج صار يولد صورًا أعلى دقةً بكثير من السابق، كما أنه قادرٌ على استيعاب أكثر من وصف ﻷجزاء من الصورة بدلًا من الحاجة إلى وصف كامل الصورة سابقًا في وصف واحد:
النموذج غير متوفر للتجريب العام بعد وسيتوفر بعد بضعة شهور، وهو مبني بالأساس على نموذج ChatGPT اللغوي مما يجعله أكثر فهمًا لطلبات المستخدم.
تخطط مايكروسوفت لدمجه بالفعل في تطبيق Designer الخاص بها.
هذا الموضوع فيه إشكالية من جانبٍ آخر، ألا وهو أن البرمجيات مفتوحة المصدر (وبالتحديد توزيعات لينكس) ستصبح أقل جاذبية مقارنةً بويندوز وغيره من البرمجيات الاحتكارية، لأنها ربما لا تتمكن إطلاقًا من توفير شيءٍ شبيهٍ بهذا لعدة أسباب:
متصفح الملفات ومتصفح الإنترنت وبيئة سطح المكتب والنواة هي أشياءٌ يطورها مؤسسات وأفرادٌ مختلفون في لينكس، وليسوا كيانًا واحدًا. هذا يعني أن كلًا منهم يغنّي على موّاله، على عكس مايكروسوفت التي تملك 100% من النظام ومكوّناته.
حتى وإن وُجد فرضًا من يريد العمل على توفير مساعد ذكاء اصطناعي شبيه بهذا على لينكس، فإن عليه أن يعاني من تنوّع التطبيقات ومكتباتها البرمجية: بيئة سطح مكتب جنوم مثلًا وتطبيقاتها مكتوبة بمكتبة Gtk بينما KDE مكتوبة بـQt، وهو ما يعني أن التعامل مع تطبيقات من أكثر من خلفية برمجية لن يكون سهلًا.
أضف إلى ذلك الانقسام الحاصل على لينكس فيما يخص خادوم العرض: يكاد الجميع يجمع على أن Wayland هو خادوم العرض (Display Server) الأفضل على لينكس إلا أن معظم الناس (+70%) ومعظم توزيعات لينكس لا تزال تستخدم X.org افتراضيًا، وهذا لوحده عقبة.
الكثير من البرمجيات مفتوحة المصدر ناقصة في ذاتها في مجالاتٍ أخرى أصلًا. مثلًا حزمة ليبر أوفيس المكتبية كانت تحتفل قبل شهر بأنهم أضافوا ميزة “سِمات ألوان المستند” إلى البرنامج على الرغم من أنها موجودة في مايكروسوفت أوفيس منذ 2007م. هؤلاء غالبًا لا يمتلكون القدرة المادية ولا الموارد البشرية لتطوير مُساعد ذكاء اصطناعي بهذه القدرات لأنهم لم ينتهوا من إنضاج برنامجهم أصلًا. لا تنسى أن تدريب وتطوير هذه النماذج يتطلب موارد كبيرة لا يمكن غالبًا لأفراد عاديين التكفّل بها.
تطبيق مثل GIMP مثلًا الذي يريد الكثيرون اعتباره البديل للفوتوشوب أكمل قبل شهرين فقط نقل واجهته الرسومية من مكتبة Gtk 2 (إصدار قديم غير مدعوم) إلى Gtk 3 (إصدار قديم غير مدعوم أيضًا)، هذا على الرغم من أن مكتبة Gtk 4 موجودة منذ ثلاث سنوات رسميًا كما أن Gtk 5 ستصدر على نهاية السنة الحالية. المقصد من كل هذه الأمثلة القول أن التطبيقات مفتوحة المصدر تعاني بالفعل لمجرد وجودها، فما بالك بتطوير ودمج مميزات الذكاء الاصطناعي هذه؟ هذا سيان.
كل هذا يحصل على العكس من تطوير النماذج نفسها: النماذج غالبًا مفتوحة المصدر وبيانات التدريب متوفرة والأوزان (Weights) منشورة، لكن المشكلة ليست في النماذج بل المشكلة في تطوير تطبيقات برمجية تستفيد من هذه النماذج وتدمجها بحيث تقدم فائدة للمستخدم، وهذا ما سيعاني مجتمع البرمجيات مفتوحة المصدر لإيجاد بديلٍ له.
في الخلاصة: البرمجيات الاحتكارية ومغلقة المصدر ستظل هي السائدة للفترة المقبلة، بل لعلها تصبح أكثر رواجًا فمن الصعب مقارعتها بجهودٍ فردية. على المؤسسات والكيانات مفتوحة المصدر الاستنفار بسرعة لمواجهة هذه التحديات وتطوير استراتيجيات حقيقية لمواجهتها بدلًا من الانزواء في مجتمعاتها الصغيرة.
تطبيقات الذكاء الاصطناعي ستصبح في كل مكان، وسيصبح الإنسان الذي لا يعرف استخدامها أميّا مقارنةً بغيره. فالمجهود الذي يحتاجه هذا الإنسان لعمل نفس المهام المطلوبة من إنسانٍ يجيد استخدام هذه الأدوات سيكون مضاعفًا عدة أضعاف، ولهذا فإننا ننصح أي صاحب مهنة (مبرمج، كاتب، مصمم، محاسب… إلخ) أن يحاول تعلمها وتطويعها لصالحه بدلًا من أن يتجاهلها فسيتبدله السوق.
الذكاء الاصطناعي لا يستبدل الناس، لكن الناس الذين يجيدون الذكاء الاصطناعي يستبدلون غيرهم.
الجانب الجيد في هذا هو أن طلبة علوم الحاسوب لن يعانوا في الحصول على وظيفة مستقبلًا إن تخصصوا في مجال الذكاء الاصطناعي: وظائف “AI Engineer” أو “مهندس ذكاء اصطناعي” على مواقع مثل Turing وProxify وIndeed وGlassdoor تملأ المكان، كما أنهم غالبًا لا يطلبون سوى تعلّم أساسيات المجال مع القدرة على فهم وتطوير وتشغيل النماذج اللغوية (LLMs) وأحد اللغات البرمجية مثل بايثون، وعادةً ما تكون الرواتب عالية (+100 ألف دولار في الخارج)، وبناءً عليه فإن العمل عن بعد مع هذه الشركات في هذا المجال سيكون أمرًا جديرًا بالبحث والاستقصاء لأي مهتمين.
شاركونا آراءكم عن هذا العدد، أو عن الأعداد السابقة من نشرة حوسبة بشكل عام على تويتر تحت الوسم #نقاشات_نشرة_حوسبة
أخبار ومواد سريعة
ستجد في هذا القسم بعض الأخبار والمواد السريعة عن مختلف مجالات علوم الحاسوب والتقنية.
يحتوي الإصدار الأخير من كروم على برمجية تسمح له بتحليل كامل تاريخ التصفّح الخاص بك للوصول إلى مجموعة من المواضيع (Topics) التي أنت مهتم بها، ثم يقوم طواعيةً بتوفير هذه المواضيع لمواقع الإنترنت التي تزورها بهدف عرض إعلانات أكثر أهميّةً بالنسبة لك. يرى الكثير من نشطاء الخصوصية أن هذا انتهاكٌ كبير لها وأنها تشابه برمجيات التجسس في هذا، حيث أنها تمكّن مواقع الإنترنت من معرفة المزيد من المعلومات عن زوّارها. يمكنك تعطيلها إن أردت من الإعدادات (الطريقة مشروحة بالمقالة السابقة).
تعرضت أحد شركات صناعة الكلور الكبيرة في أمريكا إلى هجومٍ سيبراني أدّى إلى تعطّل بنيتها التحتية التقنية وإيقاف خط الإنتاج لفترةٍ طويلة من الزمن، ولا تزال الشركة تعاني لإعادته إلى العمل دون التعرّض لمشاكل أمنية. أدّى هذا بدوره إلى فقدان منتجات هذه الشركة عمومًا من السوق. والمتأمل في هذا الأمر يرى كيف أن هجومًا سيبرانيًا عبر الحواسيب أدى إلى اختفاء أحد المواد الأساسية من المتاجر، وهو بدوره ما قد يكون ساحة حرب مستقبلية لاحقًا؛ فالأعداء لم يعودوا بحاجة لغزو مباشر للتسبب بالأضرار بل التقنية والإنترنت هي ساحة حرب بالفعل.
هذه قصة مثيرة للاهتمام سنة 2002م عن عدم تمكّن أحد أعضاء الكادر التدريسي في أحد الجامعات الأمريكية من إرسال رسالة بريد إلكتروني لأي أحدٍ يبعد عنه مسافةً أكثر من 500 ميل. في البداية قد يكون هذا أمرًا لا يصدق وليس له علاقة بالتقنية، لكن عند التحقيق اكتُشف بالفعل أن بعض الإعدادات الخاطئة لنظام البريد تسببت في جعل الخادوم يُقفل طلب الإرسال بعد 0 ثانية من إرساله، وهو ما اكتُشف أنه يساوي على أرض الواقع 3 ميلي ثانية ضوئية، أي نحو 550 ميلًا تقريبًا. قصة جيدة لتفهم كيف تتركّب الأخطاء البرمجية فوق بعضها البعض لتولّد هذا النوع الغريب من العلل.
أعلن محرك البحث المدفوع Kagi أنه سيوفر عمليات بحث لا نهائية مقابل اشتراك 10$ في الشهر، بدلًا من 1000 عملية بحث فقط كما كان في السابق. الآراء تتدفق عن جودة محرك البحث هذا وكيف أنه أفضل من جوجل بكثير في نتائج البحث الأجنبية.
أعلن مطوروا بروتوكول التواصل اللامركزي Matrix عن بدء عملهم على على الإصدار 2.0 بمميزاتٍ إضافية تجعله أسرع وأكثر قدرةً على تحمّل الأعداد الكبيرة من المستخدمين خصوصًا في المحادثات المرئية والصوتية. لعله يصبح بديلًا جيدًا لخدمة Zoom مستقبلًا للأعداد الكبيرة من الناس (بضع مئات أو آلاف) بدلًا من أن تكون المؤسسات والشركات مجبرة على الاشتراك في زووم كالوضع الحالي.
مشاريع أو برمجيات مفيدة
ستجد في هذا القسم بعض البرمجيات أو المشاريع المفيدة التي اكتشفناها في الفترة الماضية والتي نرى أنها ستكون مفيدة لقرّائنا.
هذه مجموعة من التطبيقات المختلفة لنظام الأندرويد اسمها Simple Mobile Tools؛ ميزتها أنها مجانية ومفتوحة المصدر وخالية من الإعلانات. يمكنك تحميلها على هاتفك للتخلص من التطبيقات الرسمية لجوجل مثلًا واستبدالها بهذه التطبيقات الخفيفة التي لا تحتوي برمجيات تعقب أو إعلانات، كما أن طلبة علوم الحاسوب قد يستفيدون منها عبر دراسة وتحليل شفرتها البرمجية.
هذا تطبيق اسمه Organic Maps وهو بديل لخرائط جوجل، يعمل دون الحاجة لاتصال بالإنترنت كما أنه مفتوح المصدر ومجاني. يمكنك استخدامه إن كان مناسبًا للمنطقة الجغرافية التي تقيم بها فهو خفيف على الجهاز ولا يحتوي إعلانات.
***
هنا ينتهي هذا العدد من نشرة حوسبة، ونلقاكم في العدد المقبل بإذن الله. لا تنسوا مشاركة النشرة مع معارفكم وأصدقائكم ليطّلعوا على المحتوى الرائع الذي نعدّه ❤️
تصدر نشرة حوسبة في عيد كل مسلمٍ يوم الجمعة مرتين في الشهر (مرة كل أسبوعين). وأقسام النشرة البريدية تختلف من عددٍ لآخر، على حسب المتاح.
شكرًا فريق حوسبة الرهيب على العدد الرهيب
كنا في انتظاره من الأسبوع الماضي
بوركت جهودكم 🤍